يعتقد الكثيرون ان التعليم الجيد هو أساس النجاح فى الحياة، بينما يعتقد آخرون ان الحظ و(هو هبة إلهية) هو الرافع الأساسي للمراتب العلى. وفى الآونة الأخيرة رأت فئة ثالثة أن الولاء السياسى بغض النظر عن المؤهلات الأكاديمية والتجارب الحياتية هو ما يحمل الرجل ويضعه حيث (لا) يجب أن يكون!!!
سنستعرض هنا أمثلة تدعم رأى هؤلاء واولئك وهى مأخوذة من واقعنا المعاصر.
القصة التالية حكاها لى صديق اعرفه منذ زمان بعيد، عمل بعد التخرج فى السودان ثم حملته موجات الاغتراب التى اجتاحت السودان فى بداية السبعينات فقذفت به فى احدى دول الخليج الغنية. عمل فى تلك الدولة فترة طويلة جاوزت الثلاثة عقود حتى آن أوان التقاعد فرجع السودان. لم يستكن للراحة برغم انه كان قد جنى مالا يكفيه بقية عمره، ولكن حب العمل الذى جرى فى عروقه مجرى الدم دفعه لانشاء مؤسسته الخاصة والتى سرعان ما احرزت نجاحا مدويا فقد سكب فيها خلاصة تجاربه العملية. يقول صاحبه انه بينما كان جالسا يوما فى مكتبه الفخم دخلت عليه السكرتيرة لتستأذن لرجل قال انه زميله فى الطفولة وانه يود مقابلته. وجدها صاحبنا فرصة أن يسترجع ذكريات الطفولة مع شخص عاش معه أجمل لحظات العمر. دخل الرجل ولدهشة صاحبنا فقد رأى رجلًا أنهكته السنون وترك الزمن بصمات غائرة على وجهه. شعر الرجل بحيرة صاحبنا الذى لم يتعرف عليه لأول وهلة، فقال له يا فلان أنا فلان زميلك حتى المرحلة الوسطى. تمعن فيه الرجل فتذكر ذلك الطفل الذى كان نجم الفصل بلا منازع والذى كان لا ينازعه منازع فى المرتبة الأولى فى الامتحان، ثم فجأة اختفى وكأن الأرض قد ابتلعته!!! لم يعد يسمع عنه شيئاً حتى غادر السودان ونسى ذلك الشخص تماماً مع ما نسى من أحداث ووقائع. حكى له الرجل ما حدث معه بعد ذلك وكيف انه اضطر لقطع تعليمه ودخول سوق العمل بعد وفاة والده وعائلهم الوحيد. يقول انه منذ ذلك الحين بدأ يتقلب فى مهن هامشية يتنقل من واحدة إلى أخرى اكثر هامشية منها لا يكاد دخلها يفي متطلبات الحياة التي بدأت تتزايد رويدا رويدا والآن وقد سمع ان احد زملائه وأصدقائه قد منّ الله عليه بالنعم وانفتحت عليه أبواب الرزق فإنه جاءه طالباً وراجياً ومتعشماً ان يلحقه فى اية وظيفة فى مؤسسته حتى ولو كان حارسا ليليا فى المبنى.
يقول صاحبنا ان الصور تدافعت فى ذهنه فرأى أمامه طفلاً نابهاً يتقدم الصف دائما فى الامتحانات ينال التصفيق الحاد من زملائه عقب اعلان النتائج كل مرة. والآن ها هو ذلك الطفل وقد كبر وتكالبت عليه المحن والإحن، فقسى عليه الزمن وطحنته الحياة، وها هو الآن يستجدي العمل اى عمل شريف يسد به رمقه ورمق عائلته ويكفيه ذل السؤال.
يقول الرجل ان ذلك قد حز فى نفسه جداً، بل رأي فيه إهانة له ولدفعته كلها، فاتخذ قراراً بدا غريباً ولكنه كان بالنسبة له منطقياً جداً، فقد عين الرجل مراقبا عاما على العمال بمرتب يكفيه ذل السؤال ومكتب محترم يأتي فى الصباح يتفقد الحضور والغياب ثم يقضي بقية اليوم فى الموقع يراقب سير العمل.
وهكذا فقد حفظ للرجل كرامته، بل للدفعة كلها كرامتها وكان جزاء ذلك من الله عظيماً، إذ ازدهر عمله وتقدم على رصفائه، (ان صنائع المعروف تقي مصارع الشر).
للاطلاع على المزيد من التفاصيل، يرجى زيارة الموقع الرسمي بالضغط على الرابط التالي: هنا.