جاءت هذه المقابلة مع المفوض العام للجهاز الاستثماري للضمان الاجتماعي، الأستاذ سيف الدين كوكو، دون ترتيب مسبق، بل كانت أشبه بمصادفة أهدتني فرصة ثمينة لا تُفوت. ففي ظل ما يثار من أسئلة وهواجس حول الجهاز ودوره في واحدة من أدق المراحل التي تمر بها البلاد، فإن الحديث معه يفتح نافذة لفهم ما يجري خلف الكواليس.
منذ اللحظة الأولى، بدا الرجل متماسكًا، يتحدث بهدوء الواثق الذي لا يركض خلف الكلمات ولا يتعثر بها، لم يترك سؤالًا بلا إجابة، بل بدا وكأنه يتعمد أن يضع المعلومة بين يدي الصحافة كاملة، إيمانًا منه بدورها في إزاحة الغموض وكسر الشائعات وممارسة رقابة رشيدة على أداء الحكومة، وربما أن سنوات خبرته في بريطانيا انعكست على أسلوبه في الإدارة، فجعلته ميالًا إلى التخطيط الهادئ، والشفافية الصارمة، والتعامل بجدية مع الملفات الأكثر تشابكًا وحساسية.
حاوره عزمي عبد الرازق
مما يعاني الجهاز؟
واجه الجهاز، بحسب المفوض العام، قيودًا استثمارية كبيرة بسبب التعقيدات الإدارية والقيود المصرفية. وقد ضرب مثالًا على ذلك بتأخر وصول نظام صرف صحي لأبراج الجهاز في بورتسودان، حيث ظل عالقًا في بنك السودان لأكثر من عام ونصف. وأشار المفوض أيضًا إلى أن ديوان المراجعة القومي يتبع آليات مراجعة لا تتناسب مع طبيعة عمل الجهاز الاستثماري، الذي يحتاج إلى السرعة والمرونة، حيث أن تلك الآليات مصممة للموازنات المغلقة.
الاستثمارات والشراكات
يستثمر الجهاز في قطاعات العقار والصحة والمصارف والصناعة. ويمتلك مساهمات في نحو عشرة بنوك من بينها بنك المزارع وبنك البلد. ويقر كوكو بأن الشراكات الاستثمارية مثلت أضعف حلقات الجهاز، لذلك مضوا في إنهاء غير المجدية منها مثل مصنع البلاستيك، مع تطوير شراكات ناجحة مثل مصنع أسمنت التكامل وبربر. ويرى أن الاعتماد على العقارات يجمّد الأموال، لذلك يتجه الجهاز حالياً لتسييل جزء من أصوله وتوظيفها في مشاريع صناعية كبرى ذات عوائد إنتاجية، رغم ما يواجهه من عقبات في التمويل من البنك المركزي. لافتاً إلى أن الجهاز تضرر بشدة من الحرب، إذ تتركز معظم أصوله في الخرطوم، بينما استبعدت شركات التأمين تغطية الأضرار باعتبار الحرب خارج مظلة وثائقها. وأوضح كوكو أن فرقاً ميدانية تعمل حالياً على حصر الخسائر.
هل سدد الجهاز تعوضيات المدمرة كول؟
وفيما يتعلق بما أثير حول استخدام أموال الجهاز في دفع تعويضات المدمرة كول وتفجيرات دار السلام، نفى كوكو ذلك بشكل قاطع، مؤكداً أنه لم يجد أي مستند داخلي يثبت الأمر، وأن كل موظفي الجهاز نفوا علمهم به. كما شدد على أن الجهاز جهة استثمارية وليست إيرادية، وأمواله تمر عبر مجالس الإدارة والمفوضين والمراجع العام، ما يجعلها بعيدة عن أي تدخلات سياسية أو توظيف خارجي.
محاولات التدخل من قوات الدعم السريع
وكشف كوكو عن محاولات من قوات الدعم السريع للتدخل في عمل الجهاز، مبيناً أن قائدها محمد حمدان دقلو “حميدتي” طلب تعيين زوج شقيقته مديراً للقطاع الطبي بالجهاز عبر وزير الضمان الاجتماعي. وأضاف: “الرجل حضر إليّ شخصياً وطلب تنفيذ توجيه النائب، فاعتذرت له لأن التعيين ليس من صلاحياتي”. وأوضح أن حميدتي اتصل به شخصياً لاحقاً وطلب تنفيذ التوجيه، لكنه رفض مجدداً.
كما أشار كوكو إلى خلاف آخر يتعلق بعقار يقع خلف برج الدعم السريع استولت عليه القوات “بوضع اليد”، وقال إن حميدتي استدعاه إلى مكتبه وقال له بالحرف: “البوت لو دخل في مكان هل يخرج منه؟”، قبل أن يوجه بشراء الموقع لاحقاً، إلا أن اندلاع الحرب حال دون إتمام الأمر.
الصندوق والاتهامات بتمويل اتفاق جوبا
وفي رده على ما أُثير حول استخدام موارد الصندوق في تمويل اتفاق جوبا أو صرف أموال عبر شراكات مع الحركات المسلحة، نفى كوكو ذلك نفياً قاطعاً. وقال إن “الصندوق جهة استثمارية وليست إرادية، والفرق بينهما كبير”، موضحاً أن وزير المالية ليست له علاقة مباشرة بعمل الصندوق، وأن أمواله تمر عبر دورة مالية مؤسسية تشمل مجلس المفوضين، ثم مجلس الإدارة، ثم المراجع العام. وأضاف: “نحن أكثر جهة تخضع للمراجعة حتى في زمن الحرب”.
وعن إدارة الأصول، يرى كوكو أن الاستثمار في الكادر البشري هو السبيل الأمثل لجذب المال وتحقيق الأهداف. لذلك، يحرص على توفير بيئة عمل محفزة، وتوفير التدريب المستمر للعاملين، لزيادة الإنتاجية والتميز، مؤكداً أن الخطة المستقبلية للجهاز تركز على تطوير الاستثمار في المشاريع الصناعية الضخمة، و تسييل جزء من الأصول العقارية لتحقيق هذا الهدف.
واعتبر أن نجاح أي استثمار يعتمد بالأساس على العنصر البشري، مشددًا على قناعته بأن “من يجلب المال عبر الاستثمار لابد أن يحصل على مقابل عادل”. وأوضح أنه يسعى باستمرار لتوفير بيئة عمل محفزة وضمان رضا وظيفي كامل للعاملين، مؤكداً في الوقت نفسه أنه “لن يتهاون في حقوق العاملين أو في توفير مطلوباتهم الأساسية”.
وأضاف كوكو أن التدريب المستمر يمثل ركيزة أساسية لتطوير الأداء، مشيراً إلى أن “التدريب والسفر للاطلاع على تجارب الآخرين هو السبيل الأمثل للإنتاج والتميز”، حتى بالنسبة لفئات العمال الصغرى يرى أنهم أيضاً يحتاجون إلى تدريب دوري.
وحول بنك المزارع وما تعرض له مشاكل مالية وإدارية أوضح كوكو أن البنك يعاني من “ترهل إداري”، حيث يضم نحو 1200 موظف في حين أن الحاجة الفعلية لا تتجاوز 600 موظف. ومع ذلك، أشار إلى أن البنك يسير بخطوات جيدة في تطوير خدماته وتحسين بيئة العمل، مبيناً أن تطبيقه الإلكتروني بدأ ينافس بهدوء في القطاع المصرفي.
واختتم كوكو بالإشارة إلى أن الجهاز يسعى خلال الفترة المقبلة لاقتحام قطاع التصنيع باعتباره استثماراً منتجاً يخدم المجتمع، إلى جانب إعادة هيكلة مساهماته في القطاع المصرفي عبر رفع رؤوس الأموال، لافتاً إلى أن الجهاز يستثمر حالياً في أصول تقدَّر بنحو مليار دولار، أغلبها عقارات، مع العمل على توسيع قاعدة الاستثمارات الإنتاجية، وتطوير الكادر البشري بالتدريب المستمر وتحسين بيئة العمل.
ظهرت المقالة هل ينجو صندوق الضمان الاجتماعي من فخ الحرب والبيروقراطية؟ المفوض العام يجيب أولاً على سودان إكسبريس.
للاطلاع على المزيد من التفاصيل، يرجى زيارة الموقع الرسمي بالضغط على الرابط التالي: هنا.