«القاتلُ المزدوج: حين تتحوّل الحركةُ الإسلامية إلى محوٍ ذاتيٍّ لآثارها الجنائي»

«القاتلُ المزدوج: حين تتحوّل الحركةُ الإسلامية إلى محوٍ ذاتيٍّ لآثارها الجنائي»


«القاتلُ المزدوج: حين تتحوّل الحركةُ الإسلامية إلى محوٍ ذاتيٍّ لآثارها الجنائي»

هذه قراءة في علم الإجرام (Criminology) وعلم العقاب (Penology)، هناك سلوك يُعرف اصطلاحًا باسم “Double Elimination Strategy”، وهي آلية معروفة تستخدمها الكيانات المسلحة أو التنظيمات السرية لتصفية من يُحتمل أن يكونوا أدوات إدانة مستقبلية، سواء كانوا شهودًا مباشرين Witnesses أو منفذين مشاركين Participants أو حتى مُطلعين Insiders.
وما نراه اليوم في مسرح الحرب السودانية، وتحديدًا في سلوك الحركة الإسلامية العسكرية – ليس خروجًا عن هذا السياق، بل تجسيدًا كلاسيكيًا لآليات طمس الجريمة المنظمة Organized Crime Concealment، كما وثّقها علم الإجرام المقارن منذ خمسينيات القرن الماضي.
هل الأمر جديد؟ بالتأكيد لا.
ان سلوك الحركة الإسلامية في السودان، ومنذ نشأتها كتنظيم أيديولوجي مسلح، اتّسم دائمًا بنزعة “التطهير الاستراتيجي Strategic Liquidation”، والتي لا تكتفي بالتخلص من الخصوم، بل تتوسّع لتشمل حتى الحلفاء السابقين إذا أصبحوا عبئًا أخلاقيًا أو قانونيًا.
وهنا لا يمكننا تجاهل ما كشفه د. حسن الترابي – الأب الروحي لهذا التيار – عندما تحدّث صراحة عن تصفية كل الشهود والمتورطين في محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك، وهي شهادة لا يستطيع الإسلاميون حتى اليوم دحضها أو تجاوز آثارها.
الحرب الأخيرة: متى تتحوّل الرصاصة من العدو إلى الصديق؟
في سياق الحرب الحالية، بدا واضحًا أن “أصدقاء الأمس” في الجهاز الأمني والعسكري صاروا أهدافًا ناعمة للقنص والتصفية.
شهدنا:
• مقتل العقيد الفاتح عبدون في اليوم الأول من الحرب، وهو أحد المتهمين الرئيسيين في جريمة فضّ اعتصام القيادة العامة.
• اختفاء عدد من الضباط الذين كانوا يخضعون للتحقيق في قضايا تعذيب وقتل، وعلى رأسهم من تورطوا في قضية الشهيد أحمد الخير.
• أخيرًا، مقتل محمد الخفاش، أحد أبرز من كشفوا دور الإسلاميين في التخطيط والتنفيذ لفض الاعتصام بالقوة.
ومن المرجّح أن هذه ليست حالات عشوائية، بل تصفية منهجية Purging Process، تهدف إلى قطع كل خيوط الإدانة المحتملة التي قد تستخدم في أي محكمة مستقبلية، سواء محلية أو دولية.
المنطق العقابي: الجريمة التي تُخفي نفسها:
في منطق العدالة العقابية، فإن أخطر مراحل الجريمة هي التي تُرتكب بعد الفعل الأصلي:
• قتل الشاهد Witness Elimination
• طمس الأدلة Forensic Obstruction
• التضليل العام Disinformation Campaign
وهذه هي بالضبط البنية التي باتت الحركة الإسلامية تُفعّلها اليوم، حيث تحولت من جماعة سياسية ذات مشروع إلى شبكة أمان Criminal Safety Network، هدفها الأوحد هو حماية النواة الصلبة من المحاسبة، حتى وإن كان الثمن هو إبادة الأطراف نفسها التي خدمتها ذات يوم.
ونستخلص هل هي لعنة أم حساب؟
من داخل الفكر الإسلامي السياسي نفسه، هناك مفارقة وجودية مرعبة: أن الجماعة التي ادّعت أنها جاءت لحماية الدين والعدالة، أصبحت تسحق العدالة باسم البقاء، وتقتل من خدموها كي لا تشهد عليهم ذاكرة الأرض.
إنه مشهد سريالي دموي لا يخلو من “عدالة كونية Deferred Cosmic Justice”، تلك التي قد تتأخر، لكنها لا تُلغى.
هل يستطيع الإسلاميون تصفية كل من يعرف الحقيقة ويمتلك الوعي؟ لا أظن.
في تقديري، هذا التيار لا يعتمد على القوة الأخلاقية أو المشروعية الشعبية، بل يُراهن على الإثارة (Provocation)، وصناعة الدخان السياسي (Political Smoke Screen) للتغطية على عجزه البنيوي. من تكتيكاته المكرورة إثارة الغبار الكثيف حول القضايا، وصناعة الحشود المصنوعة (Manufactured Mobilization) لتضليل الرأي العام، وكسب ما تبقى من الحيرة واللايقين في وعي الناس.
لكن الزمن عامل كاشف، ومع تكرار الحوادث، وانتشار الوعي، وتوثيق الجرائم، تبدأ الثقة الشعبية بهم في التآكل تلقائيًا (Natural Erosion of Trust)، وتضمحلّ الحماسة للانضمام إليهم أو تنفيذ أجنداتهم.
هذا السلوك الإجرامي الذي ينتهجونه — بتصفية الشهود ودفن الأدلة — لا يعكس شجاعة، بل رُهاب الحقيقة (Truth Phobia)، وخوف مرضي من المحاسبة والعدالة.
سيظل السودانيون يتذكرون — ولن تُمحى من ذاكرتهم الجمعية — أن كثيرًا ممن علموا الحقيقة، أو مارسوا الجرائم، قد تمت تصفيتهم. وهذه الحقيقة لوحدها تمثل “شهادة ضمنية” على جريمة أخرى تتلبس أصحابها وتلاحقهم كقرينة قضائية وسياسية وأخلاقية ثابتة.

للاطلاع على المزيد من التفاصيل، يرجى زيارة الموقع الرسمي بالضغط على الرابط التالي: هنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *